جول.. الجغرافيا والمجتمع والتاريخ

إلى الجنوب الشرقي من مدينة كيهيدي على بعد حوالي عشرين كيلومتر، في منطقة محاطة من الشرق والغرب والشمال بهضاب جبلية متناثرة بينما يسدُّ منافذها من الجنوب نهر السينغال، تتربع مدينة جول وعلى كتفيها حوالي أربعة قرون من الريادة الثقافية ونشر الإسلام واللغة العربية في الضفة، وما حولها من كل الجهات.

جول، ومعناها باللغة البولارية المكان المرتفع، ولقد وافق الاسم مسماه، فهي مرتفعة بأهلها وبعطائها العلمي وبما قدمته لهذه البلاد وما حولها خلال تاريخها المجيد وبما بثته من علم نافع توارث بثه خلف بعد سلف وحملته صدور رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة.

تأسست جول في مكانها الحالي ولكنها انتقلت منه في فترة كان أهلنا في هذه المنطقة الغالية يدمنون التنقل السرمدي خلف أبقارهم ذات القرون الطويلة، تتبعا لمساقط المطر ومظانِّ الكلأ، فطاب لها المقام في مناطق عديدة بالضفة، كان أبعدها في حدود ما أصبح اليوم جزءا من مقاطعة باركيول في ولاية لعصابه، ثم عادت إلى مستقرها الأول.

فألقت عصاها واستقرّ بها الثوى…كما قرَّ عينا بالإياب المسافر

ومع بداية استقرار جول في مكانها الحالي وبحماية من فرسان القرية الأشاوس الذين وفروا لها ولما جاورها الحماية والأمن من صولة كل صائل ومن تربص كل عدو، بدأ المجتمع الجوَلِي الذي ينتمي لأصل واحد، التوزع إلى مجموعات تعرف كل واحدة منها بمهنتها التي تمارس أو الاهتمام الذي تهتم به، كما حدثنا الشيخ الأستاذ صو خاليد، وهو معلم متقاعد من أهل جول، فظهر من يتعلمون الدين الإسلامي ويعلمونه وينشرون العلوم الشرعية ويمارسون القضاء والإفتاء، وهم من يعرفون ب “تورودو” وظهر “الفلان” أو”أبَّلَّه” وهم من يعتنون برعي المواشي خصوصا الأبقار، وظهر من يمتهنون الصيد في النهر وهم “تُوبلُّو” وظهرمن يهتمون بالفروسية والقتال والدفاع عن حمى الحي ويعرفون ب “تجو” وظهرمن يمتهنون الصناعات اليدوية والحرفية بمختلف أنواعها وهم من يعرفون ب “بايلو” لمن يشتغلون بالصناعات الحديدية، و “صكَّه” لصناع الجلود، و “ما بُوبَه” لمن يصنعون القدور والأواني الخزفية.

وقد تعايشت هذه الأغصان التي تعود لجذع ثابت، فيما بينها ومع بقية مكونات مجتمعنا الوطني الأخرى، والزائر لمقبرة جول اليوم سيرى الشيخ من آل باه يتجاور بحب مع الشيخ اللمتوني الذي طاب له المقام في هذه المنطقة فسكنها إلى الأبد.

بلدية جول اليوم واحدة من أهم بلديات كيهيدي، ففضلا عن مكانتها الثقافية السامقة ودورها الحضاري المشهود، تعتبر البلدية زراعية رعوية بامتياز، كما تتوفر المدينة على نخبة من أبنائها يعملون خارج البلد ويساهمون بتحويلات مالية معتبرة في دعم أهلهم ومدينتهم.

تضم البلدية واحدا وعشرين قرية من أبرزها العاصمة جول، ويعيش في البلدية أكثر من ثمانية عشر ألف نسمة.

وام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *