محمد المهدي ولد محمد البشير يكتب/الإنسان بين موت جسده وموت معناه

هل يمكن أن يكون البشر ، وما ينسجونه عن وجودهم من تصورات ذهنية، وما يبدعونه من قيم أخلاقية، وذوق جمالي، وما يتوصلون إليه من قناعات، مجرد ظل شاحب لحقيقة لم تتجل كما هي على حقيقتها، بل مجرد صورة تعكس تلك الحقيقة، كما تعكس “الصور” التي يولدها الذكاء الاصطناعي شكل الإنسيان

إن الإنسان لا يستمد وجوده من ذاته ابتداء، ولا يمكن أن يدوم من غير شيء يمد وجوده بأسباب “البقاء المؤقت”، وهذه معضلة . يظهر في الوجود من عتمة “العدم” – فجأة- وهو في منتهى الضعف، ثم تنمو ذاكــرته، ويتفتق وعيه، وتتشكل تصوراته، وتنمو مشاعره الوجدانية شيئا فشيئا، ويبدأ يرسم أهدافا يجعلها محور اهتمامه ومدار حركته ونشاطه، حيث يستمد منها هويته الشخصية ومعنى وجوده في الحياة، فإن تقدم به العمر ضعفت ذاكرته، وقل وعيه، واختلطت لديه الأزمنة، فيصبح ماضي طفولته حاضرا، وتتحول أمانيه التي لم تتحقق إلى ذكريات يظن أنه نالها بالحظ أو بالكسب ، وتنفصل الدلالة عنده عن مدلولها بحيث يصبح كل شيء مباحا قوله.
ثم يتحول هذا الإنسان إلى مجرد صورة خالية من تلك المعاني التي كانت هي مدار وجوده (الظرافة، والشهامة، والأنفة، والكبرياء) وربما أصيب بمرض مفاجئ جعله يصل إلى هذه الحالة – وهو في أشده – .
مآل الإنسان أن يرجع إلى سيرته الأولى إلى حيث كان أول مرة تاركا أعز وأغلى ما لديه : ذاته، وأحباءه، وأشياءه، وذكرياته، ومذكراته، داره، مكتبته، تراث أجداده، ويتحول إلى مجرد “عاطفة” أو “ذكرى”
يرحل وتبقى الدنيا على حالها كما كانت قبل مجيئه إليها أول مرة: تشرق الشمس، ويهطل المطر، ويغرد الطير، ويفرح الناس بمن يولد، ويحزنون – على من يموت.
فأين الحقيقة واين الوهم ؟
وما الفرق بين الوجود وبين إدراكنا للوجود؟
أين الفاني الذي لا ينبغي أن نعبأ به، ولا أن نشغل به أنفسنا دقيقة واحدة، ولا أن نتخاصم حوله ونتصارع؟
وأين الباقي الذي يجب أن نلوذ به ونتمسك ؟ ذواتنا أم أشياؤنا ؟ ذكرياتنا أم مذكراتنا؟
وأيهما أقرب إلى الحقيقة الذكريات التي تنبع من أعماقنا ؟ أم المذكرات التي نخترعها كي نبقى وندوم ، ولن نبقى ولن ندوم ؟ الأشياء التي نظن أننا نملكها؟ أم الجوهر الذي نعتقد أنه يمثل حقيقتنا الخالدة؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *